وهران ترث صرحا رياضيا من المستوى العالمي
سمحت الدورة التاسعة عشرة لألعاب البحر الأبيض المتوسط التي نظمتها الجزائر للمرة الثانية في تاريخها, لولاية وهران بالظفر بإرث رياضي كبير, من خلال التزود بمجموعة من المرافق الرياضية الحديثة، على رأسها المركب الرياضي ميلود هدفي الذي يعد الأول من نوعه الذي تم افتتاحه من سلسلة من مرافق كروية أخرى ذات مستوى عالمي تستعد البلاد لاستلامها، على غرار ملعبي براقي والدويرة بالجزائر العاصمة وكذا ملعب تيزي وزو.
ويمثل هذا الإرث الرياضي الهدف الذي سعى إليه منظمو الألعاب المتوسطية، وأبرزته أيضا اللجنة الدولية لألعاب البحر الأبيض المتوسط، التي شددت على الأهمية الكبيرة للمنشآت الرياضية التي تم تشييدها بمناسبة هذا الحدث الكبير الذي جرى بين يونيو ويوليو.
وقال النائب الثاني لرئيس اللجنة الدولية للألعاب ورئيس لجنة التنسيق للطبعة ال19, برنارد أمسالم في هذا الصدد أن « المنشآت الرياضية المشيدة للموعد المتوسطي تعد إرثًا مهما لسكان وهران ».
و تجدر الإشارة إلى أن السلطات العمومية لم تدخر أي جهد لتزويد « الباهية » بهذه المنشئات الرياضية، فضلا عن إعادة تأهيل وعصرنة مرافق قديمة أضحت الآن بمعايير دولية تسمح لها باستضافة مختلف المسابقات القارية والعالمية.
هذا الأمر ينطبق على قصر الرياضات حمو بوتليليس ومركب التنس بحي السلام والمسبح الأولمبي بحي المدينة الجديدة والمعهد الوطني لإطارات الرياضة في عين الترك، وغيرها من المنشآت الرياضية. لكن المركب الأولمبي ميلود هدفي يظل بلا شك أهم إنجاز لرياضيي وهران وكل الجزائر أيضا.
وفضلا عن هذا الإنجاز المهم، تمتلك وهران قرية متوسطية مشيدة على مساحة تقدر ب 40 هكتارا بطاقة استيعاب كبيرة، حيث كان هذا الموقع بمثابة المقر الرئيسي لضيوف الجزائر خلال الألعاب المتوسطية.
وبالنظر إلى حجم هذه القرية، قررت السلطات المحلية إنشاء مؤسسة محلية توكل إليها إدارتها، والتي من المقرر أن ترى النور قريبًا بعد أن تم المصادقة على المشروع بالإجماع من طرف المجلس الشعبي الولائي.
ويجمع المراقبون والمتخصصون على الحاجة إلى التفكير في الاستغلال الأمثل لهذا الإرث الرياضي في فترة ما بعد الألعاب، وبعبارة أخرى « كيف يمكن لهذا الحدث المهم أن يحقق آثارا إيجابية دائمة من حيث استغلال البنى التحتية والتنظيم المستمر لمختلف الفعاليات الرياضية و تحسين النقل الحضري والاعتناء بالبيئة، وما إلى ذلك من قيمة مضافة لصالح الساكنة ». كل ذلك يجعل من الاستغلال الجيد لإرث النسخة التاسعة عشرة للألعاب المتوسطية التحدي الجديد للمسؤولين المعنيين.
والأكيد أنه من تجديد الجزائر العهد مع هذا الحدث الرياضي بعد 47 عاما من النسخة السابعة، التي أقيمت عام 1975 في الجزائر العاصمة، كان سقف الطموحات عاليا والرهان كبيرا، وهو العودة القوية إلى الساحة الرياضية الدولية.
ولرفع التحدي، كان لا بد من تعبئة عامة على جميع المستويات، خاصة وأن الحدث، الذي كان من المقرر أن يقام في صيف 2021 قبل أن يتأجل لسنة واحدة، تزامن مع سياق دولي صعب للغاية، بسبب الأزمة الصحية العالمية المرتبطة بجائحة فيروس كورونا.
ورغم صعوبة الرهان، وافقت السلطات العمومية في البلاد على مواجهته متسلحة بإرادة قوية لإفشال « مناورات » الكواليس التي كان مصدرها بعض الأطراف الخارجية التي لم تتقبل احتمال نجاح الجزائر في هذا التجمع الإقليمي الذي تجاوز أبعاده الجانب الرياضي.
وكللت هذه الإرادة بنجاح مزدوج على المستويين الرياضي والشعبي، بشهادة أعضاء اللجنة التنفيذية للجنة ألعاب البحر الأبيض المتوسط أنفسهم، وعلى رأسهم الإيطالي دافيدي تيزانو، إلى جانب ممثلي الدول المشاركة في موعد وهران وغادروها بكثير من المشاعر الطيبة.
وكانت وهران بكل بساطة، في نظر المراقبين، مرحلة هامة لإعادة الاعتبار للألعاب المتوسطية التي فقدت الكثير من بريقها خلال طبعاتها الأخيرة. وزاد في الأهمية البالغة لهذه التظاهرة إشراف رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون على مراسم حفل الافتتاح وعلى تدشين المنشآت الرياضية الضخمة التي شيدت بالمناسبة.
كما تميزت النسخة التاسعة عشرة من ألعاب وهران، مقارنة بسابقاتها، بحماس جماهيري استثنائي مكون من شباب وعائلات بأكملها، ساهم بشكل كبير في عملية « إعادة إحياء » هذه الألعاب. فكانت جميع المواقع التي استضافت فعاليات العشرة أيام من الحدث مكتظة عن آخرها أو تكاد، و حتى الرياضات الأقل شعبية في الجزائر، مثل كرة الريشة، كانت تجري في قاعة رياضية مملوءة عن آخرها بالمتفرجين ووسط أجواء حماسية مبهرة.
ذات الانطباع تم تسجيله في كل مكان تقريبا من المنشآت الرياضية العشرين التي استضافت الألعاب, وهو ما دفع النائب الثاني لرئيس اللجنة الدولية لأن يكون أول من يبدي سعادته بالظروف الجيدة التي جرت فيها المنافسة، مؤكدا في تصريحاته على « الإمكانيات الكبيرة التي سخرتها الدولة الجزائرية لإجراء مختلف فعاليات التظاهرة في منشآت جديدة وعصرية، وهو عامل ساهم، حسبه، في النجاح الجماهيري والرياضي لهذا الحدث الهام ».